عندما نناقش أى فكرة (كالإلحاد مثلاً) نحتاج أن نناقشها كمنظومة عقائدية ؛ والمقصود بالعقيدة هنا ليس الدين ولكن الاتجاه الفكري والمبادئ:
هل هذه المنظومة متسقة مع ذاتها؟ هل مفرداتها متسقة مع الواقع والحقيقة؟ هل لها قدرة تفسيرية للمشاكل التي نواجها، كقضية الألم مثلاً؟ فلدينا في المسيحية منظور خاص بقضية الألم، لكن ربما في منظومة أخرى يكون الرد بخصوص الألم أنه قدر، وعليك أن تقبله. حسناً سأقبله لكن في أعماقي أجد رفضاً لهذا، خصوصاً إذا أردت أن تجعلني أقبل أن هذا القدر هو الله الصالح والمحب.
فمثلاً في البوذية يُنظر للألم على أنه وهم. هل علىَّ أن أقبل أن كل الآلام التي أراها هي مجرد أوهام؟
أما في الإلحاد، نجد فكرة أن الألم شيء طبيعي جداً حيث أننا في كون فوضوي لا تحكمه أي قوة وإنما تحكمه فقط العشوائية والصدفة، فيصبح الألم هو أحد منتجات هذه العشوائية والصدفة.
فعندما أناقش فكرة تهاجم اللاهوت أو الحق المسيحي، على أن أناقشها في إطار منظومتها العقائدية.
فإن المنظومة العقائدية الصحيحة ينبغي أن نتمكن من إثباتها من أكثر من نقطة، ومن أكثر من وجهة، ولا تعتمد على شيء واحد فقط. فمثلاً لا أثبت صحة الإيمان المسيحي معتمداً فقط – على سبيل المثال - مثلاً على أن نبوات العهد القديم قد تحققت في المسيح (48 نبوة عن أحداث الصلب والقيامة) ورغم أن هذا إثباتاً قوياً إلا أنه أمراً واحداً فقط بينما علينا أن نجمع عدة براهين (بلغة القانون؛ قضية مجمعة) Cumulative case
فننظر بالمنطق، وبالتاريخ، وبفحص صحة المستندات المتاحة. مثلاً؛ هل هناك أدلة تاريخية على القيامة؟ هل مخطوطات الأناجيل الأربعة يمكن الوثوق بها؟
فجمال الإيمان المسيحي في أنه لا يقوم على حقيقة واحدة أو أمراً واحداً لإثباته.
إن منظومة الإيمان المسيحي رائعة في كونها تتعامل مع القضايا الأربعة الكبيرة:
الأصل أو البداية،
الخلود أو إلى أين نمضي،
المعنى من الوجود،
ومنظومة الأخلاق.
وسنناقش هذه القضايا الأربعة ببعض التفصيل:
أولاً: قضية الأصل
1 – نشأة المادة:
"المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم" قانون ثابت.
فماذا عن نشأة المادة وبالتالي نشأة الكون؟
أي منظومة عقائدية تقدم إجابات أكثر منطقية؟
2 – نشأة الحياة على الأرض:
الحامض الأميني الذى تحول إلى مركب معقد اسمه بروتين، والبروتين كون الخلية، والخلية أكملت الدورة بأن أنتجت البروتين والإنزيمات.
كيف تكونت أول خلية؟
هل الحياة نشأت من ذاتها أم احتاجت إلى خالق؟
3 – تطور الخلية إلى كل الكائنات الموجودة: نظرية داروين
هل هذه النظرية قانون؟
هل العشر أعمدة التي تستند عليها هذه النظرية ثابتة لا تهتز؟ (Icons of evolution)
4 – الإنسان:
تفرده وتميزه عن أقرب كائن في التطور، متفرد في نوعه وفي إمكانياته.
في الذكاء، في الإحساس الأدبي والأخلاقي...
في عدم وجود أنواع كثيرة منه (الكائنات الأخرى من كل فصيلة توجد أنواع كثيرة (فالأسد من فصيلة القطط)).
5 – الحبكة الوجودية (The fine tuning):
عبقرية القوانين التي تحفظ الكون، وأي تغيير ولو طفيف سيؤدى إلى فناء الكون.
في كوكب الأرض يوجد 20 عنصر يجعل الحياة فيه ممكنة (درجة الحرارة، المواسم "التي يتسبب فيها ميل الأرض عن القمر"، سُمك الغلاف الجوي، ....).
هل يوجد شيء أم أن ما نراه هو وهم؟
ديكارت بعد أن أضناه التعب والشك في كل شيء، قال؛ الأمر الوحيد الذى يمكنني أن أتأكد منه هو أنى أشك.
وبما أنى أشك إذن فهناك كائن موجود يشك، إذن أنا موجود.
ومن هنا جاءت العبارة "أنا أشك إذن أنا موجود".
هذا الموجود، هل له بداية أم هو أزلي؟
أنا جزء من هذا الكون، هل للكون بداية؟
واحدة من أكبر الخدمات التي قدمها العلم للاهوت، هو أن أثبت أن للكون بداية.
فحتى ظهرت نظرية البيج بانج (الانفجار الكبير) كان كل العلماء يقولون بأن الكون أزلي.
كان اللاهوتيون المسيحيون، مثل توما الإكوينى يتمنى أن يكون للكون بداية.
لأنه لو كان هناك بداية فلابد أن يكون هناك مُبدئ (سبب أبدأه).
ستيفن هوكنز أكبر عالم فيزياء ملحد (يجلس اليوم على كرسي نيوتن المسيحي) يقول أن للكون بداية من 13.8 بليون سنة. والأسباب:
من الفلك:
يقول هابل العالم الفلكي أن الكون يحدث به تمدد، وهذا التمدد سيصل إلى نقطة معينة يبدأ بعدها ينكفئ على نفسه وينكمش، فلو كان الكون أزلي ويتمدد منذ الأزل فلابد أنه كان قد تفتت الآن.
من الفيزياء:
قانون الفيزياء الحرارية، أن الكون يستهلك من طاقته. فلو كان الكون يستهلك من طاقته منذ الأزل لكان قد فني الآن.